التعلق بالمؤثرات والعوامل الخارجية للحصول على السعادة هو نوع من الإدمان. و يتضح هذا في مثال بسيط عند شاربي القهوة كل صباح، فإذا مضت ساعات ولم تُشرب القهوة يشعر المرء بصداع في رأسه. ومَثلُ شرب القوة كمثل باقي أنواع المواد التي يعتاد عليها العقل، ولكن تختلف نسبة الإدمان و التحمّل و نتائجهما. فبينما يمكن للإنسان أن يصبح متحمّلا للكافيين (caffeine tolerance) فإن ذلك لا يعطيه شعورا قويا بلزوم تناول المزيد. أما في حالة المواد المخدرة الأخرى فإن الأمر يختلف.
ربما من الساذج القول إن السكّر هو نوع من المواد التي تسبب الإدمان، إلا أن بعض الخبراء يعتبرونه كذلك بالفعل. لكن كثيرا من الناس لا يعرفون أن معظم طعامنا اليوم الذي يباع في المتاجر الكبرى مليء بالسكّر. وليست المشروبات الغازية بغريبة عنا، إذ تحتوي علبة المشروب الغازي المعدنية على حوالي 10 ملاعق صغيرة من السكر. أما طعام الأطفال الذي ربما لم يسمى عبثا “السكاكر” هو مصدر مقلق للسكر، إذ أن الأطفال عرضة بشكل أكبر عاجلا أم آجلا للإصابة بالأمراض الناتجة عن الإفراط في تناول الأطعمة المحشوة بالسكر، مثل السكّري، النسيان (الزهايمر)، السمنة، الإكتئاب، ضعف الذاكرة إلخ.. إذا ما البديل؟ الفواكه، العسل، الاعتدال في تناول الطعام، ترك المشروبات الغازية وغيرها مما يحتوي على كميات غير طبيعية من السكريات، ممارسة الرياضة.
الكحول: تصنّف المشروبات الكحولية كمواد مسببة للإدمان، لذلك يتم فرض إجراءات صارمة على بيعها في كثير من البلدان الغربية، بعكس ما قد يظنه البعض. بعض البلدان تفرض ساعات معينة يمكن أن تُباع فيها المشروبات الكحولية لمن بلغوا السن القانوني (18 أو 20 أو 21 سنة). و في دراسة أجريت في بريطانيا سنة 2010 تم تصنيف المشروبات الكحولية كأخطر مادة على المجتمع. أخطر من الكوكايين و الهيرويين. و قد يستغرب البعض من ذلك، لكن الدراسة تأخذ بعين الاعتبار بأن الكحول مادة مشرّعة قانونا، فهي شائعة وتباع في المحلات، في حين أن المواد الأخرى غير قانونية. يتوفى أكثر من 88 ألفا في الولايات المتحدة كل سنة نتيجة أمراض الكبد و الأمراض المرتبطة بشرب الكحول و التسمّم. وهؤلاء ليسوا من المفرطين في شرب الكحول. يتشارك الكحول مع المواد الأخرى في أنه يتسبب بعوارض نفسية و عضوية مزعجة للشخص الذي يقلع عنه، و شعور بالحاجة إلى شرب المزيد مما يؤدي إلى الإكتئاب (كما يحدث عند مدمني المخدرات) بالاضافة إلى تغيرات سلبية في حياة الشخص و علاقته مع أهلة وعائلته و أصدقائه. يعتبر الكحول أخطر من التدخين لأن تأثيره على المجتمع أكبر بكثير، إذ يتسبب بحوادث مرورية مميتة و جرائم قتل. و كونه مشرّع في القانون، فهذا يزيد من خطورته بنسبة كبيرة.
المخدرات: أشهرها الكوكايين والهيرويين بمختلف أشكاله و “الميث” والسالفيا و الحشيش وغيرها. إن خطورة المخدرات ليست بمستوى شرب الكحول لأنها ممنوعة وليس من السهل الحصول عليها من أي مكان. لكن تأثيرها على المتعاطي أكبر بمراحل كثيرة مقارنة بالكحول و التدخين. يختلف تأثير المخدرات من صنف لآخر، فالهيرويين مثلا عالي الإدمان و تركه أصعب بكثير من الكوكايين. الهيرويين مستخرج من نبتة الأفيون ومشابه نسبيا من حيث التركيب و التأثير للأدوية المهدئة و المخدّرة للآلام، لذلك فإن متعاطي الهيرويين يشعر بالارتخاء، في حين أن متعاطي الكوكايين يشعر بالنشاط. و بمأ أن قوة الإدمان على الهيرويين أقوى بمرات، ولأنه أرخص بكثير من الكوكايين، فهو أخطر على المدمن و على المجتمع.
مشكلة الإدمان تبدء في معظم الأحيان بتراخي من الأهل و غياب التوعية في المدارس والمؤسسات المدنية وعند الأهل، وغياب التواصل بين الأهل و أبنائهم، و أصدقاء السوء.
إن بداية العلاج تبدأ في إقتناع المدمن بضرورة الإقلاع عن التعاطي، ثم بفصله عن البيئة المحيطة به. و إن لم يكن لديه نية في العلاج فالعقاب لن يكون الحل. السجن يمكن أن يقضي على حياة المدمن وقد يحوّله إلى إنسان أخطر على المجتمع. أما تاجر المخدرات فذلك يجب أن يُرمى في السجن ويعاقب! المدمن مريض، و المريض يدخل المستشفى لا السجن. لكن يجب أولا أن نقنعه بضرورة العلاج، دون توجيه اللوم والاتهامات المتكررة له. يحتاج التعامل مع المدمن صبرا كبيرا لأن المرء يتعامل مع إنسان يدمّر حياته وحياة من حوله نفسيا و ماليّا، لكن الأهل مجبرين على تقبّل ذلك والعض على أسنانهم إلى حين إقناع المدمن بضرورة العلاج بشتى الوسائل.
لكن كيف يعرف الأهل أن ولدهم مدمن؟ هناك علامات كثيرة منها: (أ) تقلبات حادة في المزاج (عدوانية في التعامل مع الاحباب) و يصاحب ذلك فرط في شرب الكحول لكي يعوض المدمن عن تقلبات مزاجه. (ب) مشاكل مادية و استدانة مبالغ مالية من الناس بشكل مستمر. (ت) ضعف الحواس، مثل الشم و نزيف في الأنف و برودة في التعامل مع الأحداث. (ث) تراجع حاد في الأداء في مكان العمل أو المدرسة.
يخضع المدمن للعلاج في مراكز العلاج والتأهيل الخاصة بالمدمنين على المخدرات. تحتوي هذه المراكز عادة على قسم طبي أو ما يشبه المستوصف يتم من خلاله إخضاع المدمن لجلسة “تنظيف” الجسم من السموم (detox)، تستمر لأسبوع أو أكثر. التنظيف لا يعني الشفاء، بل هو مرحلة أولى ضرورية قبل بدء العلاج. يتطلب العلاج من المدمن أن يبقى في المركز لفترة يمكن أن تمتد لسنة أو سنتين، وهذا يعتمد على حالة المدمن و مدى قدرته على تحمّل العلاج. ولأن المدمن حدثت له تغيرات كثيرة في طريقة عمل دماغه، فإنه يُعطى أدوية تساعده على تخطي تلك المرحلة، لأن ترك المخدرات له مضاعفات جسدية و عقلية خطيرة على المدمن.
يحتاج المدمن إلى تشجيع مستمر و دعم من المقرّبين أثناء فترة علاجه.
مصادر خارجية إضافية حول الموضوع: المعايير العالمية لمكافحة المخدرات https://t.co/VwoJm3XcXf