كتبت قبل مدة قصة قصيرة بعنوان “السفينة الأسطورة” تصوّر ما دار في رأس رجل من أفكار أثناء سفره على متن سفينة التايتانيك. كانت تلك مجرد خاطرة من نسج خيالي، واعتبر البعض أنها النسخة العربية من قصة “جاك و روز”. قررت هذه المرة أن أبتعد عن الأدب لكي ألقي الضوء على حقائق حول تلك السفينة – من صنعها، من كان على متنها، كيف غرقت؟ و أمور أخرى.
مقدمة
إسمها RMS Titanic. الأحرف الأولى هي إختصار لـ Royal Mail Ship و تعني حرفيا “سفينة البريد الملكي” هذا لأنها كانت أيضا تحمل رسائل بريدية على متنها. بُنيت في مَسْفَن (مكان تُبنى فيه السفن) في مدينة بلفاست، في إيرلندا. و بقدرة قادر، في ليلة 14 من أبريل (نيسان) من عام 1912 و في أول رحلة لها، إرتطمت التايتانيك بجبل من الجليد ثم غرقت بعد ساعتين و أربعين دقيقة في صباح 15 أبريل عام 1912. كانت أكبر باخرة ركاب في العالم آنذاك.
تسبب غرق التايتانيك بوفاة 1517 شخص، الأمر الذي جعل الحدث يكون الأول في التاريخ لسفينة مدنيّة في زمن السلم. كانت التايتانيك – و هذا ما شدّدتُ عليه في القصة القصيرة – تستخدم أحدث التكنولوجيا المتوفرة آنذاك مما جعل البعض يعتبرها “عصيّة عن الغرق”. و بالفعل لقد جاء في إعلان لشركة White Star Line المالكة للسفينة أن التايتانيك “مصممة لتكون عصية عن الغرق”. و كانت صدمة كبيرة على كثير من الناس إذ برغم أن السفينة مجهزة بأحدث المعدات و بطاقم بحري محترف، فقد غرقت مخلّفة عدد هائل من الضحايا.
البناء
كان الهدف من بناءها أن تكون أكثر السفن فخامة و ضخامة. مُوّل مشروع بناءها عام 1909 من قبل الأمريكي J.P. Morgan صاحب الشركة البحرية التجارية العالمية (International Mercantile Marine). و تم البدء ببناء جسمها عام 1911 و تم الإنتهاء من تجهيزها في آذار (مارس) من العام الذي تلاه.
وزنـــــها: 46,328 طن | عدد الركاب الذي تستوعبه: 2,603 |
طولـــها: 269 متر | طاقم السفينة: 944 |
عرضــها: 28 متر | الركاب و طاقم السفينة: 3,547 |
إرتفاعها: 18 متر | سرعتها: 22.5 عقدة (41 كيلومتر بالساعة) |
كان للسفينة 4 مداخن، ثلاثة منها كانت تعمل و الرابعة جُعلت فُتحة للهواء و لكي تحافظ على منظر جميل للسفينة. لم يكن على متنها قوارب نجاة كافية، و إن كان العدد المتوفر حينها غير مخالف للقانون.
المزايا
كانت السفينة مقسّمة لثلاث درجات: الدرجة الأولى هي الأكثر فخامة، و تليها الدرجة الثانية ثم الدرجة الثالثة التي ضمّت أكثر الركاب و أكثرهم غرقا و الذين كانوا مهاجرين إلى أمريكا. بلغ سعر البطاقة للدرجة الأولى حوالي 10,000 دولار و هو مبلغ كبير في ذلك الوقت.
تجاوزت السفينة آنذاك كل منافيسها من حيث الفخامة و الرخاء. كان على ظهرها (لأول مرة) مسبح، و قاعة للرياضة، و حمام تركي، و مكتبات من الدرجة الأولى و الثانية، و ملعب للإسكواش (لعبة شبيهة بكرة اليد). كانت الغرف ذات الدرجة الأولى منمّقة بحيطان من الخشب و الأثاث الثمين و غيرها من الزخارف. إضافة إلى ذلك، كان المقهى الباريسي يقدم مختلف الأطباق لركاب الدرجة الأولى و كان مزودا بشرفة خارجية مزيّنة بما بشبه التعريشة.
زُودت السفينة بآخر ما توصلت إليه التكنولوجيا آنذاك، إذ كانت مجهزة بنظام كهربائي فرعي شامل يشغّله مولدات تعمل على البخار. و جُهزت أيضا بشبكة لاسلكية للتواصل بين الركاب و طاقم السفينة و للإتصال بالسفن الأخرى.
الرحلة الأولى و الأخيرة
بدأت السفينة رحلتها من ميناء ساوثمبتون في إنكلترا متوجّهة إلى نيويورك، يوم الأربعاء في العاشر من أبريل (نيسان) عام 1912 بقيادة القبطان Edward J. Smith. بعد أن إجتازت القنال الإنكليزية رست السفينة في مدينة شيربوغ في فرنسا لتُقل ركابا من هناك ثم توجهت إلى ميناء مدينة كوينزتاون (تسمى كوف حاليا) في إيرلندا ليصعد على متنها آخر دفعة من الركاب و من ثم أدارت وجهها نحو نيو يورك. كان على متنها أشخاص بارزين من أصحاب الملايين.
ليلة الأحد في الرابع عشر من أبريل نيسان، أي في اليوم الرابع من الرحلة، إنخفضت درجة حرارة الجو إلى الصفر و كانت مياه المحيط هادئة و السماء صافية. تلقى القبطان تحذيرات بخصوص جبال جليدية فعدّل مسار السفينة إلى الجنوب بشكل بسيط.
في الساعة الثانية إلا ربع من عصر ذلك اليوم حذّرت سفينة Amerika من أن هناك جبال جليدية تقع في مسار سفينة التايتانيك إلا أن الرسالة لم تصل إلى قبطان سفينة التايتانيك.
و قبيل منتصف الليل، رصد أحد الركاب الذين نجوا فيما بعد جبلا جليديا مقابل السفينة. كان الإرتطام لا مفر منه و قد فات الأوان لإمكانية تفاديه. إرتطمت السفينة بالجبل الجليدي و دخل الماء إليها و غرقت بعد ساعتين. بعيد منتصف الليل، طلب ربّان السفينة بتجهيز زوارق النجاة فورا و بُعث بنداء إستغاثة للمعنيين.
كان على متن سفينة التايتانيك 20 قارب نجاة، تسع جميعها لـ 1,178 شخصا. كان ذلك قانونيا إذ أن عدد قوارب النجاة كان يُحدد آنذاك وفق وزن السفينة لا عدد ركابها. 700 شخص نجوا فقط، لأن قوارب النجاة أنزلت بأقل من العدد الذي تستوعبه. بعد الحادث، عُدلت الكثير من القوانين الخاصة ببناء السفن، و أدخل الكثير من التقنيات لتزويد الحماية للسفن و جعلها أكثر صمودا أمام الحوادث.
وصل نداء الإستغاثة إلى RMS Carpathia و كانت أقرب سفينة، تبعد عن التايتانيك 93 كيلومتر. وصلت كارباثيا بعد أربع ساعات من تلقي النداء و كانت الكارثة قد حلّت. حمّلت كارباثيا قوارب النجاة و من فيها و أنزلتهم في نيويورك.
متفرقات
نجا تقريبا جميع النساء المسافرات في الدرجة الأولى، بينما 86 بالمئة من نساء الدرجة الثانية نَجَون، مقابل أقل من 50 بالمئة من نساء الدرجة الثالثة.
عُثر على حُطام سفينة التايتانيك عام 1985، أي بعد 73 سنة من غرقها، و هي قابعة اليوم بعمق 4 كيلومتر تحت مياه المحيط.
تم إستخراج 333 جثة فيما بعد. 706 أشخاص نجوا. معظم الذين ماتوا كانت سبب موتهم هو درجة الحرارة المنخفصة (-2 تحت الصفر).