من منّا لا يحمل هاتفا ذكيا. ليس عليك اليوم سوى أن تحمّل تطبيقا إخباريا واحدا لكي تضمن لنفسك يوما مليئا بالإثارة و التنبيهات التي تحرص على إبقائك على إطلاع بآخر المستجدات من حول العالم، و لو كنت نشطا في مواقع التواصل الاجتماعي فستعرف من تزوج من، و حال الناس عندما استقيظوا هذا الصباح، و ستظهر لك إعلانات تدعوك لتحميل المزيد من التطبيقات و ستصبح خلال أسبوع أكثر الناس إنشغالا على وجه الأرض. و لكن إذا أمعنت النظر في حياتك و تجربتك مع هذا الجهاز الذي في يدك ستكتشف أنك عالق في قشور و صور و أفكار لا تضيف إلى حياتك و شخصيتك سوى الكثير من السطحية والقليل من المعرفة. و هذا هو النصف الفارغ من الكوب فماذا يوجد في النصف الملآن؟
قبل عدة سنوات إنقطعت عن نشر أي مشاركة على الفيسبوك، و صنّفت “الأصدقاء” بحسب علاقتي الفعلية بهم، فالمقرّبون ينشرون أشياء تتعلق بمواضيع تهمّني و الآخرون أخفيت منشوراتهم. و هكذا صار الفيسبوك متعة و مكان آخذ منه الأخبار التي تبقيني متصلا بعالم أصدقائي و القرية التي ترعرت فيها.
التصنيف
كانت البداية في التصنيف. هذه الخاصية متاحة في معظم مواقع التواصل الاجتماعي و تتيح للناس إخفاء ما لا يتوافق مع اهتماماتهم. و لكي تبدأ في تصنيف المعلومات إلى “مهمة” و “غير مهمة” فهذا يحتاج إلى قدرة على إتخاذ القرارات الحاسمة لأن الأمر ليس بهذه البساطة.
معظم المواقع الاخبارية و المواقع التي تبث مقاطع الفيديو تتنافس على جذب انتباه الاشخاص و منافستهم على الالتفات إليها و عدم إتخاذ قرارات حاسمة بتجاهلها. و كل ما تحتاجه هذه المواقع لكي تقنعك بالالتفات إليها هو أسلوب واحد تستخدمه إسمه click-bait. هو عبارة عن تحوير و تحويل المحتوى العادي و ربما الساذج إلى محتوى جاذب من خلال إجراء بعض “العمليات التجميلية” الزائفة عليه. خذ على سبيل المثال خبر عادي يمكن أن يكون عنوانه ببساطة “تحطم طائرة في البحر الاحمر بعد وفاة الطيار أثناء الرحلة”. قد لا يدعوك هذا العنوان إلى الضغط على رابط الخبر أو موقع الصحيفة، رغم أن هذا الخبر قد لا يفيدك في شيء في الأصل و لن يضيف إلى حياتك أي خبرة جديدة. و لكن ماذا لو تحايلنا قليلا في طريقة عرض الخبر و غيّرنا العنوان إلى “لن تصدق ماذا حصل على متن هذه الرحلة” ثم نضع صورة طائرة فوق الخبر. قيّم من 1 إلى عشرة أي عنوان سيدعوك أكثر للضغط على رابط الخبر؟
و من طرق التفخيف الأخرى المتبعة هو استخدام صور لا علاقة لها بمحتوى المقالة أو الفيديو، و تستخدم فقط لجعل المستخدم يضغط على رابط المقالة أو مقطع الفيديو.
و كل هذا يحدث بهدف الربح. أكثر المواقع تربح من الاعلانات و تلك الاعلانات لا تدرّ الأموال إلا إذا كان للموقع عدد كبير من الزوار باستمرار. و لأن القاع على الانترنت مزدحم، تحتاج المواقع التي لا تبذل جهدا جادا في نشر المحتوى إلى آلية لجذب الزوار بأي تكلقة، و هنا كان الاحتيال واللعب بالكلام العامل الفعّال لجذب الناس لقراءة أخبار أو مواضيع قد لا تسمن و لا تغني من جوع.
[su_box title=”التصنيف هو الحل”]إنتبه جيدا للمحتوى الرخيص و انظر أي المواقع تعتمد بكثرة على الخداع لجذب الزوار بدلا من نشر محتوى يحتاج لجهد و عمل جاد، ثم توقّف عن متابعتها على الفيسبوك أو المنصّات الأخرى.[/su_box]
تابع ما يجعلك أذكى
أسأل نفسك بصدق: ماذا استفدت من النظر إلى صور فلان من الناس لا تعرفه حق المعرفة يتناول الطعام خارج البيت؟ ماذا استفدت من صورة الوجبة التي يتناولها و مقطع الفيديو الذي يحكي فيه “تجربته” مع موظف المطعم إلخ.. ؟ هل يهمّك هذا الشخص كثيرا لدرجة أنك تهتم لأن تعرف ماذا و كيف و أين و متى يتناول الطعام؟
[su_youtube url=”https://www.youtube.com/watch?v=KAo2nmVlfOA”]
[su_quote cite=”لم يقلها شخص عظيم. أنا ألّفتها الآن.”]نعم الحياة ليست كلها قائمة على الجد، و لكن عندما تكون الحياة برمّتها متمحورة حول القشور فذلك أيضا يقتل الدماغ.[/su_quote]
إذا تصنيف المحتوى مهم، و لكن الأهم أن تعرف ماذا تريد من الانترنت. ما تريد أن تتعلم؟ ما هي اهتماماتك؟ ما المشاكل التي تمر بها و تريد أن تعرف عنها أكثر؟ الإجابة عن مثل هذه الأسئلة تساعدك كثيرا على إيجاد المحتوى البديل.
ستجد على الفيسبوك صفحات و مجموعات كثيرة تتحدث عن مواضيع تهمّك. فمثلا هناك صفحة تختص بالهجرة إلى كندا و فيها مشاركات و تجارب كثيرة من الأعضاء و قد استفدت منها بمعلومات ساعدتني على كتابة المقالة الأخيرة بعنوان “الهجرة إلى كندا”. و يوجد صفحة أخرى تهتم بالزراعة كنت أتابعها و أخرى للبيع والشراء تلزمني عند الحاجة.. و الأمثلة لا حدود لها و الاهتمامات تختلف كثيرا من شخص لآخر.
و ستجد على تويتر حسابات متخصصة في جانب معين يمكن أن يكون موضع اهتمام لك، فمثلا أتابع بعض الحسابات التي تنشر أخبار حول بعض ألعاب الكمبيوتر المفضلة لدي، أو حساب آخر لموقع ينشر روابط مقالاته المتعلقة بنظام الأندرويد أو حسابات لاصدقاء. يعتبر تويتر جيد للحصول على مثل هذا النوع من المعلومات بشكل ملخّص و بسيط.
و سأختم بموقع Reddit. هذا الموقع ليس شائعا في العالم العربي، لكنه المفضّل لدي. هو عبارة عن ما يشبه المنتدى المبسّط جدا و فيه مواضيع لا تعد ولا تحصى، و كل موضوع له صفحة أو قسم خاص به. ما عليك سوى “الاشتراك” أو متابعة الموضوع الذي يهمك الاطلاع عليه و من ثم تظهر لك كل المشاركات الجديدة من الناس حول ذلك الموضوع. خذ أبسط مثال: لديك هاتف ذكي و تريد أن تبقى على اطلاع على كل الاخبار المتعلقة به و آخر التحديثات و الخصائص الجديدة التي تُضاف إليه و العروض الترويجية الخاصة به و معلومات حول تطبيقات مفيدة لهذا الجهاز. ستجد على موقع reddit صفحة خاصة بجهازك فيها كل تلك المعلومات و المشاركات المعروضة بشكل مبسط جدا دون تركيز على الاعلانات أو التصميمات الفاقعة للصفحات إلخ… ماذا لو كنت مهتمّا بمنتجات شركة معيّنة من الشركات و آخر أخبارها من كافة النواحي من وجهة نظر عامة الناس؟ ستجد صفحة خاصة بكافة الشركات تقريبا. ماذا لو كنت تهتم بمواضيع عامة أو أنك مصاب بمرض مزمن و تود أن تستفيد من تجارب الآخرين و تسمع وجهات نظرهم و نقاشاتهم حول هذا المرض و ما توصل إليه العلم إلخ.. ؟ يوجد صفحات لتلك المواضيع. أمثلة عن صفحات أتابعها: nvidia, windows mixed reality headsets, lebanon, dubai, steam إلخ..
إليكم عيّنة من مشاركات رائعة استفدت منها كثيرا على موقع ريديت (باللغة الانكليزية):
Best apps/software paid or free for New gaming pc build
What are the best free online certificates you can complete that will actually look good on a resume
What is a website that everyone should know about but few people actually know about
و أخيرا سأذكر موقع quora الذي يوجد فيه حوارات عديدة في شتى مجالات الحياة إلا أن عيبه في رأيي هو وجود حسابات كثيرة لشركات تجارية تضع مشاركاتك بهدف الإعلان بطريقة غير مباشرة عن منتجاتها أو عياداتها أو خدماتها، و هذا ما لا تجده في موقع ريديت.
أحذف الاعلانات من المواقع ومن هاتفك
الاعلانات واحدة من الأشياء التي تضيف مستوى آخر من تشتيت انتباه المستخدم. و أحيانا تكون بعض الاعلانات خطرة حيث تروّج لمواقع أو تطبيقات تعمل على إساءة استغلال خصوصية المستخدم.
تعتبر إضافة uBlock Origin من الاضافات المشهورة لمتصفّح غوغل كروم على أجهزة الحاسوب. حمّلها و فعّلها و ستختفي 99% من الاعلانات المزعجة (و أحيانا المخلّة بالآداب) في كافة المواقع التي تزورها. و تعمل أيضا على تعطيل كافة محاولات المواقع لجمع معلومات حول تصفّحك للانترنت.
أما على أجهزة الأندرويد فإبمكانك إخفاء الاعلانات في المواقع و داخل التطبيقات عبر تحميل تطبيق Adaway و مثله من التطبيقات المشهورة و الموثوقة. للقيام بذلك تحتاج إلى إجراء عملية “root” للجهاز الذي تستخدمه. بعض أجهزة سامسونج الحديثة لا تدعم خاصية الـ root و لكن يوجد طرق لإخفاء الاعلانات عن طريق تطبيق adhell 3. الشرح حول كيفية تنصيبها يطول، لذا سأترك لكم المجال للبحث عنها في محرك البحث. هذه الخطوة موجّهة فقط للأشخاص المتمرسين في هذا المجال.
أما الآيفون فلا أعلم عن طريقة لإخفاء الاعلانات فيه. أجهزة آبل ليس بمرونة أجهزة الأندرويد.
إستخدم بريد Gmail
ربما تتساءل ما علاقة جي ميل بالفوضى؟ الرسائل التي تصل إلى البريد الالكتروني بالمئات يوميا هي جزء من تلك الفوضى، و لو كنت متصلا ببريدك عن طريق هاتفك فلن تستريح من الإرتجاجات و التنبيهات التي تدعوك إلى “المشاركة في استطلاع الرأي حول تجربتك على الموقع الفلاني”…
يقوم بريد Gmail بتصنيف الرسائل بشكل تلقائي فلا تصلك تنبيهات على هاتفك إلا بالرسائل المهمة، و تبقى الأخرى في مجلدات أخرى تطّلع عليها على حدى. تستطيع التحكم في التنبيهات من داخل تطبيق Gmail على الهواتف الذكية. و لو كنت متمرّسا في مجال التكنولوجيا و ضليع في زواريبه، فيمكنك عن طريق gmail أن تصنّف الرسائل يدويّا كما يحلو لك من خلال خاصية “filters”، فتكون أنت من يحدّد ما يصلك إلى الواجهة الرئيسية و ما يذهب إلى المجلدات الأخرى التي قمت بتصنيفها.
هل لديك أفكار أخرى؟ شارك بتجربك في التعليقات لكي يستفيد منها الأخرون.