لا شيء شرير بالفطرة أو بالمطلق. السكين التي تقتل إنسانا ليست شريرة، إنما حاملها هو الشرير. عندما أصادف شخصا يتحدث عن الدين على أنه أداة للعنف أو الاضطهاد ضد المرأة أو التمييز بين الناس، فإن مثال السكين يكون أول الحاضرين إلى ذهني في تقييم هذا الحديث. الدين كما أراه أنا و كما هو كل شيء في الحياة، يمكن أن تستغله لتقتل الآخرين و تبث من خلاله الكراهية والتفرقة، و يمكن أن تستغله لتقريب الناس إلى بعضها البعض بلغة إنسانية بعيدة عن التصنيفات الضيقة.
الانسان بطبيعته مجبر أن يتأثر بمحيطه مهما ادعى الموضوعية و المصداقية في طرحه الفلسفي والعلمي. فالإنسان الذي يعيش في بحبوحة لا يرى الأمور من منظور إنسان يكدح في زواريب الأحياء الفقيرة، والذي يعيش في حرب لا ينظر للأشياء كما ينظر لها من ينعم بالأمان، و من تعرض للاضهاد بكافة أنواعه ليس كالذي خالط الناس دون أن يرى منهم أذى فادح، والذي عاش تحت ظل دولة دينية متسلّطة ليس كالذي عاش في دولة ترعى الاختلاف، إلخ..
يختلف تقييمنا للدين و الأمور الأخرى نتيجة ما ذكرته آنفا، فتجد من الناس من يبني آراءه على تجارب مرّ بها أو حدثت له، فينتهي به الأمر مؤيدا شرسا، أو محايدا، أو محاربا، أو متذبذبا في الرأي.
ليس في العالم حزن محض، ولا شر محض، و لا إخفاق محض، بل إنها دائما ممتزجة بالسعادة و الخير و النجاح. لهذا فإن القرآن يقول إنه من حق الشر أن يوجد. لا يمكن للحياة أن تقوم من دون الوجهين، وجه السكين التي تذبح و السكين التي تقطع الطعام. والذي يعترض على هذا، إنما هو يعترض على طبيعة الحياة. أقصد أن الإنسان يستطيع أن يجلس على الكرسي ويعترض على بكاء طفله البالغ أشهر من العمر، وإن جلس عشرات الساعات فذلك لن يغير من طبيعة الطفل الذي وُلد ليبكي و يضحك، يمرض و يتعافى، يستيقظ و ينام. لا فائدة من مناقشة طبيعة الأشياء، ولا معنى لأن نقول بأن البكاء شر أو أن الحياة قائمة على الشر، أو أن الله شرير.
كثير من ردات الفعل العنيفة ضد الدين جاءت نتيجة تخطي رجال الدين حدود النص أو حدود ما أرادت الكتب المقدّسة أن تقوله، و حدث ذلك كثيرا عبر التاريخ حيث حُشر الدين في أماكن كثيرة لم يكن هناك من فائدة في حشره فيها، مما تتسبب في إيجاد ردود فعل شديدة العنف تجاه الدين خاصة في أوروبا مع تقدّم الاكتشافات العلمية و انخراط الدين في محاربة العلماء و المفكرين دون حجج وبراهين. وأحيانا أخرى كانت ردات الفعل عنيفة تجاه الدين نتيجة تحديه للنظام الاجتماعي والسياسي السائد و الفاسد الذي يقوم على احتكار السلطة والمال و اضطهاد الضعفاء.
يحدث للدين اليوم في العالم العربي أشياء مشابهة للمثال الأول (تخطي الدين حدود الكتاب)، فالمشهد الديني العام غارق في بحور من الجهل و الشعارات الرنانة، و اختلطت العادات الاجتماعية و القبلية و العشائرية الجيدة والقبيحة بالدين، و زادت عليه المصالح السياسية و المذهبية و العرقية أعباء أخرى، فبات الدين مزيجا من التناقدات. سأترك هذا الموضوع لتدوينة قادمة قريبا ستكون بعنوان “الانغماس في توافه الأمور“.