فرغنا أنا و أصدقائي من صلاة العشاء، فاجتمعنا على عادتنا لنطرح السؤال المُعتاد “إلى أين؟”. قيل “عَمْرُو الزّعَل” فأشرقت الوجوه و رقصت البطون. إشتغل محرّك السيارة و اتجهنا إلى مدينة صيدا، حيث الأسواق القديمة التي تنتشر على جانبيها المحلات العتيقة المنبوذة، بما في ذلك محل بيّاع الفول عمرو الزعل.
عمرو الزعل؟
– هذه المرة جئتُ لألتقط صورا لما يجري هنا، و غدا ستصل الصور لوزارة الصحّة!
– قال ضاحكا: اللي تشوفه، عمرو الزّعل!
– [ضحكتين على الماشي] أنا في الواقع أنوي أن أكتب مقالا عنك و عن محلّك لأنشره على الإنترنت.
– فليكُن. عمرو!
– حدّثني عن حكاية عمرو الزعل. منذ متى و أنت تعمل هنا؟
– “شوف يا صاحبي” كان لي محلّ في مخيّم عين الحلوة1 و بعد أن تعرّضتُ لمضايقات إنتقلتُ إلى هنا. الحمد لله أنا سعيد لوجودي هنا و الجميع بات يعرفني.
– ماذا عن عمرو الزعل؟ ماذا تعني هذه العبارة؟
– نعم. كنتُ في الماضي أستمع كثيرا و أنا في المحل لأغاني حزينة فسألني الناس لماذا أنت “زعلان”؟ فكنتُ أجيبهم بـ “عمرو الزعل”، أي أنه لا يوجد شيئ يستأهل أن يكون الإنسان حزينا، و هكذا بات الناس ينادونني بهذه العبارة.
أجواء المحل
الطالع و النازل، الصغير و الكبير، يسلّم عليه بالتحية الخاصة “عمرو”، و يردّ عليهم بـ “عمرو”. و لا تكاد أن تنتقده أو تطلب منه أن يعجّل بطلباتك أو تمازحه حتى يعّقب فورا على كلامك بـ “عمرو”، و لا أخفيكم أن سكان السوق باتوا مطاردين من قبل هذه العبارة.
عمرو الزعل محل فول شعبي جدا، و يعتبر من المحلات المشهورة على صعيد الجهة البحريّة من مدينة صيدا. المطاعم هناك تعتمد عليه في طلبيّاتها. يعمل صاحب المحل “من الفجر إلى النجر” كما يُقال، و لا تراه يتذمّر و لا يتعب دائما سعيد و البسمة لا تفارق وجهه. و إذا نظرت إلى أسعار محلّه و طريقة تعامله مع الزبائن ستُعرف سبب شهرته. كما أن هذا الرجل لا يكاد يزيد شيئا على أسعار الصحون و إن ارتفعت أسعار الأسواق! قُلنا له عدة مرّات من باب المزح “يا زلمي خود زيادة” حتى خشينا أن نأتيه مرّة و نجده قد خفّض الأسعار!
هذا الصحن من ذاك المحل؟
كل شيء حتى الآن يسير على ما يرام إلى أن تبدءوا بمشاهدة ما يجري داخل المحل. إذا تذوّقت صحن الفول عنده للمرة الأولى ستكون ردّة فعلك “هذا الصحن من ذاك المحل؟!” و قد فعلتها أنا و أصدقائي عدة مرّات و اصطحبنا أناس معنا ليتذوقوا الفول، و كانوا ينبهرون من التناقض الواضح. المحل لا يبدو عليه أي مظهر من مظاهر الرقيّ، و لكن لا تنسوا بأن لديه خدمة التوصيل المجاني إلى المنازل بواسطة هذه الدراجة.
غمّض عيونك. سمّي و كول!
توضع صحون الفول و الحمّص و البليلة و المشوّشة على الطاولات، و يوضع “السرفيس” و هو عبارة عن قائمة طويلة من المخلّلات – اللوز و الخيار و اللفت و الفجل و الباذنجان، إضافة إلى الخبز الساخن و زيت الزيتون الطازج و اللبنة و النعناع و البصل و الخس و الشنكليش و أنواع عديدة من الزيتون .. هل نسيتُ شيئا؟
.: كيف هي علاقتكم بالمطاعم و الأسواق الشعبية؟ هل تجدون حرجا في ارتيادها؟
- مخيّم للآجئين الفلسطينيين في لبنان، يقع على أطراف مدينة صيدا. [↩]