تمر الدقائق و الثواني من عمرنا، تصطحب معها أحداث كثيرة منها المبكية و المفرحة، و منها العظيمة و التافهة، و منها المفصلية و الروتينية. ليس التصوير مجرد تويثق لما هو مهم في حياتنا، إنما هو أيضا فرصة لنجعل للتافه و للبسيط معنى جميل نتلذذ به.
كل يوم تطلع علينا الشمس ثم تغرب في عين حمئة. تطلع و تغرب و تغرب ثم تطلع فلا يعود المرء يميّز بين ليل و نهار، بين شمس و قمر. و هكذا تعيشُنا الحياة بأحداثها، لا ندري إن كنا أموات. متى نعيش؟ أهي الحياة تافهة؟ أم أن الروتين جعلها تفقد معانيها؟ لا يستشعر الناس نعمة منظر الغروب إلا عندما يحل عليهم الليل سرمدا. كم لديك من أصدقاء لم تعرف قيمتهم إلا بعد أن فقدتهم؟ كم و كم و كم …؟
التصوير الفوتوغرافي معناه أن تعلن الحرب على الروتين. أن تقف أمام البحر و بيدك كاميرا فيشير الناس إليك “غريب الأطوار!” فتلتقط و تسجل و تحفظ بعضا من تلك الأشعة الذهبية التي تتلألأ الآن و ستنطفئ بعد قليل لتغادر هذا العالم بلا عودة. التصوير معناه أن تقول: لعلها الساعة تقوم بعد قليل و لن يعود هناك شجر، سأتلذذ بإلتقاط صورة لشجرة إقرارا مني بعظمة من خلقها. إنها ثورة على عالم الأسماء الذي تُحشى أدمغتنا فيه بعبارات “هذه شجرة و ذلك بحر و تلك غيمة” .. عالم يجرِّد الأشياء من الروح.
صديق أمضيتَ معه أياما حلوة و مُرّة، ما عشته سيبقى صورا محفوظة في ذاكرة داخل جمجمة مظلمة، إنها الكاميرا فقط التي تستطيع أن تجعل تلك الصور تبصر النور. إلتقط اللحظة قبل أن تفوتك.
تحدّث لغة البيكسل. هي اللغة الوحيدة التي يعيها الأمّي و المثقف، الأبيض و الأسود، العربي و الأعجمي. إنها لغة صامتة و لكن وقعها في القلب يكون أقوى من الكلمات. لو أن مئات الكُتب و الروايات نُشرت لتصف مجازر قوم و همجيتهم، لن تعبّر عن ما تعبّره صورة طفل فلسطيني مرمي في الشارع، مذبوح من الوريد إلى الوريد.
لماذا أصور؟ لأنني أحب أن أستمتع بلحظات الحياة العابرة، أيا كان شكلها أو طعمها. لهذا أصوّر. هل تصوّر؟ لماذا تصوّر؟