لطالما نظرت إلى اللغة الإنكليزية على أنها الزبد الذي يذهب جفاء، و ظل الحال كذلك إلى أن حدثت موجة التغيير. دخلت الجامعة أدرس الأدب الإنكليزي. نعم هذا بالفعل ما حدث! لم أكن أميّز بين الـ is و الـ are حينها. لحظة، دعوني أقص عليكم تجربتي و وجهة نظري حيال هذه اللغة بعد أن وقعتُ في حبها و عايشتها لسنين.
الإنكليزية كما عايشتها
كلما سألني أحد ماذا تنوي أن تدرس في الجامعة، أقول: علوم الحاسوب (Computer science) و لم يكن في ذلك أي تردد، خاصة و أن علاقتي بذلك الجهاز تفوق الشغف. لكن شاء ربُّك – الله – أن تنقلب الآية 180 درجة بين ليلة و ضحاها. و ما يدريك إلا و عوني يستيقظ ذات صباح ليلتحق بمجال الأدب الإنكليزي، و لهذا قصة أسردها لاحقا.
وجدت نفسي الشاب المسكين الوحيد في صف تملؤه طالبات مجتهدات. أحب بطبيعتي أن أكون طالبا مشاركا، لكن خجلي و هشاشة لغتي وقفا أمامي عائقا، آنذاك. قلت لنفسي إلى متى سيظل الأمر هكذا؟ عندها نشأت لدي شهية لإلتهام الكتب، بدأت مع القرآن الكريم ثم تخطته إلى الروايات الإنكليزية المطلوبة مني، إلى أن حطّت رحالها في عالم الأدب العربي الذي أصرف وقتي بالتعرف إليه حاليا. و هكذا تحولتُ من طالب عاش حياته المدرسية على الهامش، إلى طالب يثابر بجدية ليكون في الطليعة. و تمضي الأيام فتقول لي زميلتي: نراك تتقدمنا جميعا بأشواط!
لم أنسى حلمي و حبي لمجال الحاسوب، فما إن وجدت نفسي أقترب من اللغة الإنكليزية أكثر و أألفها حتى بدأتُ أتحرش بكتب البرمجة و تطوير الويب. قلت لنفسي: إن العلوم اليوم تولد إنكليزية و تموت إنكليزية. و مزجت بين اللغة و الأدب و بين علوم الحاسوب ليولد بفضل الله عام 2005 أول مُنتج أسميته: زراعة نت.
كما تعلمتها
كالماء باتت تنساب الكلمات إلى تربة عقلي العطشة. لم يكن الأمر محض صدفة إنما كانت هناك خطوات إتبعنها لأتقن تلك اللغة كتابة و قراءة و حديثا. هذا ما حدث ..
ركّزت في بادئ الأمر على القواعد، حيث يسهل معرفة أي لغة إذا بدأنا تعلم القواعد التي بُنيت عليها. تعلّمي للقواعد أتاح لي أن أغرز قدمي في مجال الكتابة السليمة. أما القراءة و المحادثة فكانتا المشكلة الأكبر، و هما الشيئان الذان يعاني منهما الكثير من المقدمين على تعلم اللغة الإنكليزية.
القراءة و المحادثة يعتمدان بشكل أساسي على السمع و الممارسة. كنت أجلس أمام شاشة التلفاز أتابع برامج وثائقية إنكليزية و أركز فيها على كيفية نطق الكلمات و مخارج الحروف، متجاهلا الترجمة المعروضة أسفل الشاشة. و رحت أقلّد الطريقة التي ينطق بها مقدّم البرنامج أثناء قراءتي للروايات فتحسنت قراءتي و باتت مخارج حروفي سليمة.
و لا شك أن ذلك تطلب متابعة و جهدا مني، و أن أي إنقطاع عن متابعة تلك الممارسات سيودي بكل ما تعلمته إلى الهاوية. و من هنا دائما ما أنصح المقدمين على تعلّم اللغة الإنكليزية ألا يلتحقوا بدورات و مراكز لتعليم اللغات إن لم يكن بنيّتهم المتابعة و ممارسة ما يتعلموه بعد الإنتهاء من الدورة.
كتبت قبل سنتين سلسلة من المشاركات بعنوان تعلم اللغة الإنكليزية و فيها معلومات ثقافية أكثر من كونها دروس تلقينية. أعتقد أنها مفيدة كبداية للمبتدئين لمعرفة خلفية تلك اللغة التي يتعلمونها. أرجو أن تنال إعجابكم.
كما رأيتها
لطالما نظرت للغة الإنكليزية – بعد أن وجدت نفسي في أحضانها – من المنظور الذي كان يراه النبي عليه الصلاة و الصلام عندما طلب من الصحابي الجليل زيد بن ثابت أن يتعلم اللغة السريانية ليكون جسر التواصل بين المسلمين و اليهود.
العلم في أيامنا هذه ينبع من الغرب. يمر علينا فنشرب منه الزبد والقليل النافع و نُلقي بالباقي في البحر. تُرى كم منا يفتح شاشات التلفزة الإنكليزية – كالـ BBC – ليستمع إلى ما يقول الغرب عنا أو ليتعرّف إلى أخبارهم في مجالات العلوم و السياسة و الدين و الأدب و الفلسفة؟
معرفتنا لشخصية الإنسان الغربي و تفكيره و ثقافته تضعنا في موضع الواثق من نفسه. و ذلك لا يحدث إلا بتعلم لغته.
إذن
أحببت أن أشارككم تجربتي بإيجاز لعله يستفيد منها طلاّب المجالات العلمية لكي لا تنقطع بهم السبُل و يفوتهم قطار التطور و التجديد بتجاهلهم اللغة الإنكليزية، و هي رسالة للمُقدمين على تعلّم هذه اللغة أحذرهم فيما من تضييع الوقت في غرف المعاهد و أوراق الكتب ..
سأكون سعيدا لو أجبت على أي تساؤل منكم حول هذه اللغة. و الله الموفق.