و لكن .. أي مقاومة و كيف و متى؟ بالطبع من السهل جدا، كما تعودنا في عالمنا العربي، أن ننصُب خشبة فوقها مايكروفون و نُطلق خطاباتنا الرنانة “سنقاتل سنهزُم .. النخوة العربية .. الجهاد ..” لكن مهلا. نحن في حرب تموز 2006 كنا سنصاب بالمجاعة لولا أن إسرائيل سمحت بدخول البواخر و الطائرات الآتية من قطر و السعودية و أمريكا و باقي دول العالم محمّلة بالغذاء و النفط. كنت أقف في طابور أنتظر ساعات لأملئ غالونا من البنزين … أليس من السخرية أن يسمح لك عدوك الذي تقاتله بأن تحيا؟
لكي نقاوم علينا أن نكون واقعيين. مثلا على الأقل جزء من أسلحتنا يجب أن نكون نحن من يصنعه. إنه من السخف أن نقول سنحارب أمريكا و أسلحتنا من صنع أمريكا. و من السخف أن نقول نريد أن نقاطع بضاعاتها و ليس ما نأكل و نشرب إلا من صنعها. و من السخف أن ننشد الفوز على الأعداء و نحن نقتل بعضنا بضعنا.
كليشن كوف في وجه طائرة أف 16 .. ما هو تقييمكم لهذه المعادلة يا ترى؟
هل نحن مفلسين؟ كلا. لدينا من الإمكانيات الكثير. لدينا عقيدة راسخة مرنة في ديننا نستطيع من خلالها أن نحول الحديد إلى ذهب، إن أحسنّا إستخدامها. و لدينا أيضا سلاح فعّال نغفل عنه كثيرا. إنه الذهب الأسود، ذلك الذي يدير عجلة العالم و بدونه لا معنى للطائرات و الآليات العسكرية و المصانع و ما إلى ذلك – النفط.
هتلر كان من أكثر الزعماء الذين تنطلق من أفواههم كلمات مدوّية. لكن الرجل لم يكن مقامرا. كان يعرف حجمه و إمكانيات بلده و شعبه، لذلك خاض حروبه و هو على يقين أن أوروبا ستصبح في قبضته. لم يخسر الكثير. صحيح أنه خسر الحرب بالنهاية لكن خسارته لم تكن سوى بسبب طمعه الزائد عن حده. و ربما الإنتصارات المتتالية التي حققها أدت إلى هوس الحرب الذي أصابه، ولو أنه تريث و اكتفى بما لديه لما خسر.
ربما نتعلم الكثير من تجربة صلح الحديبية التي أجد فيها من الحكمة ما لا يملكه كثير من القادة. بعض الصحابة إعترض على موقف الرسول عليه الصلاة و السلام و لكن الرسول كان يخطط للمستقبل، و لم يكن وراءه ما يستدعي دخول حرب عاجلة. ثم من يستطيع أن يعدد الخسائر التي تكبدها المسلمين جراء هذا الصلح؟ لا شيىء!
قد نستفيد من فترة سلام مع الغرب لنعيد تكوين أنفسنا و لنعمل من أجل تأمين الإكتفاء الذاتي من الغذاء و الشراب، تلك الأمور البسيطة المتعلقة بحياتنا اليومية التي نحن عاجزون عن تحقيقها. أضف إلى ذلك الأنظمة السياسية العربية، هل يا ترى تستحمل دخول حروب مع العدو؟ أكاد أجزم أن أكثر نظام عربي متانة يسقط في أسبوعين لأن معظم أنظمتنا واهية، إذ أنها لم تقم على ما يعبر عن شعوبها. معظمها أستورد من مكان ما أو فُرض فرضا. و من هنا فإن أول من سيتنصّل عن تلك الأنظمة في الحروب هم أفراد شعوبها، إلا ما رحم ربي.
لم أكتب هذه التدوينة إلا لأنني أجد في معظم الأحيان ساسة وأشخاص في عالمنا العربي يتكلمون بنبرة عالية جدا بعيدة عن الواقع. هؤلاء هم المقامرون. يقامرون ببلدانهم و شعوبهم، لا ينظرون بموضوعية لإمكانياتهم و كيفية الإستفادة منها و لا يعرفون إمكانيات أعدائهم. يخوضون الحروب العمياء بكل أنواعها فينهزمون بأكبر قدر من الخسائر. فأي قوة يعدّها هؤلاء لإرهاب العدو؟
أخيرا أعتقد أن قبول الواقع هو جزء من الحل. أرجو أن أكون وفّقت في الأفكار التي طرحتها و ربما الموضوع يحتاج لنقاش أعمق يستطيع أن يتكلم فيه أهل العلم. فما رأيك أيها المقاوم؟