عندما تكثّف الضباب، تلاشت سفينة العشق الراسية على شاطىء هوى ذلك الرجل. أحس بقشعريرة في بدنه جعلته ينزوي إلى فراشه لأسابيع فلا يستيقظ إلا لطعام قليل أو شراب. وظل على هذه الحال حتى اعتراه مرض شديد فتدهورت صحته العقلية. وفي إحدى الليالي التي اشتد فيها البرد و المرض، استقيظ على صوت رجل يدخل عليه .. كانت هناك أوراق ممزّقة و متناثرة على الأرض فيها ما يشبه أبيات الشعر ..
أنين رجل سقيم
يئن و يولول ساكنا مثل الحَجَر
رجل أصابَ الحزنُ قلبَه يحتضِر
في صومعته أوراق من اليأس المُختصَر
تبكيه كلمات هنا و هناك خطّها الحِبر
تهب عاصفة من ورائها غيوم سوّاها القدر
وتزداد العتمة في ليلة فارقها القمر
ويضطرب الشتاء ببرق ورعد ومطر مُنهمِر
وأزيز دعوات وصلوات تنشدُ إقتراب الفجر
وها هو ينتظر وينتظر حتى تأتي .. وينتظر ..
يدق الباب
اختُرق الباب
يلجُ عفريت من الجن يبتسم يتبختَر
إرتعش الهواء في الحين و خشع المقرّ
وقف يقول: إني جئتك بالنعيم إن تصبر
يا أيها الرجل: تمنّ ما يحلو لك و لا تتردد .. فتخسر
سلنِ و لا تخف .. إنه لا يعرف إليّ الضيقُ سبيلا ولا الفقْر
قلتُ إنك لن تستطيع أن تُذهب عني الحُزن المستمر!
و من أنت يا ترى جئتني ساعة السَحَر؟
أخرج! و لا تتكبّر!
إنك مجرّد مخلوق مُحتَقَر!
صاح مستهزئا: لولا رهطُك لرجمتك يا بشر!
قلتُ إني سقيم لا تؤاخذني و قصير البَصَر
لا تستتِر
إني أعتذِر
قال سَل!
قلتُ امنحن غَزَلْ!
إرتبك الجن
قال متلعثما أعد عليّ كلامك يا رجل
قلتُ أقول إمنحني غزل!
و شرد عني طويلا و احتقن!
بربك ما لي أراك تتراجع وتعتزل؟
تكلّم!
ثم سكت طويلا كأنه الرعبُ ينتابُ البَطَل
تكلّم!
ثم سكت طويلا و استسلم
و صحتُ فيه إمنحن غزل! إمنحن غزل!
أيها الأحمق المزيف تكلم!
و ظللتُ أرددها و قد إقترب الأجل
حتى بات الصوت يئن
أيها الجن أيها الجن
إمنحن غزل!
———————–
ملاحظة: ما حدا يسأل مين هي غزل!