عندما تلفّظتْ بها، أحسست بأن خنجرا قد طُعن في أصل لحمي فسالت أنهار من دمي الأزرق في كل مكان. إستبد حلقي بالأوكسجين فوقفتُ كالجثة لا يرمش لي جفن، أبحث عن كلمة عربية، أو حتى صوت أرد به فلا أجد. هنالك أصيب غضنفري بالشلل التام.
بايعتها أول مرة، دون مقدّمات، حينما إلتقيت بها تتألق، كالنحلة، نشيطة في أفكارها البسيطة. تُشعرني أن الحياة عبارة عن رغيف خبز و حبة زيتون. تمضي الأيام لأكتشف أنني أعرف تلك الفتاة منذ قرون. إبتسامتها إعتدت عليها محقونة بالسحر، فما إن تبين أسنانها حتى أتيقّن أن مسار حياتي الذي إخترته لنفسي قد تغيّر. و كانت عيناها كالخمر، تستر خيالي فتُنسيني إسمي … و في ليلة لم يضيئها قمر إعترتني نوبات من الجنون.
أكاد لا أنسى تلك الأيام التي أصبحت فيها راعيا لتلك الفتاة النعجة. أقدم لها العشب على طبق من المشاعر المرهفة فتمتلئ كبرياءا. كانت نعجتي الوحيدة. و يا لهذا الثغر الضحوك. أراها تضحك و ترتجف و أنا واقف أمامها كفرعون مذئوب أبتسم مكشّرا لها عن أنيابي و بيدي حفنة من الحشيش أطعمها إياها.
إختلطتْ نعجتي بقطيع من الأسود فاستأسدت. ذلك ما كنت أخافه. جائتني مرة على غير هيئة النعجة تقول ضاحكة و عيناها تشعّ باللون النبيذي “هل تبايعني؟” و تحت وطئة المخدّر الذي إعتدتُ عليه، عادت بي ذاكرتي إلى قرون مضت، إلى الكوفة، في رحلة تاريخية طويلة حسبتها يوما أو بعض يوم، ثم أجبتها “نعم أبايعك”. قالت “لقد فات الأوان يا حبيبي!”
ها قد غدرت بي! تلفّظتْها بجرأة و فرّت بعيدا. ثم كرّت. تفرّ و تكرّ و أنا الذي كنت أتمَسْكن لأتمكّن منها قد أصبحت مسكينا إحترقت مشاعره و بتّ مطالبا أن أدافع عن عنترّيتي التي أصيبت بنكسة. و شعرت لوهلة أن الغضنفر الذي تربى فيّ لم يعد سوى ثعلب أحمق. إكتشفت أنها باتت خبيرة في الحرب و تعرف تماما متى و أين تشن غاراتها. علمتُ أنها فلتت مني إلى الأبد. و اتجهت للإستسلام. إزدادت شراسة. إزددتُ إهتياجا و إنفعالا. لم أعد أحتمل. وجدت نفسي أجابه جبالا و بحارا من المشاعر المرهفة تتفجر من فتاة كنت أعرفها .. ذلك السلاح الذي كنت أعذبها فيه .. الآن أودى بي إلى الهاوية.
و قال الناس، إن نعجة قتلت غضنفرا! فصرخت بهم “لست غضنفرا و لكنني ثعلب أحمق”.