يتسائل المرء عن أشياء كثيرة في هذا العالم، ولعل أكثر الأسئلة تتمحور حول ذات الله وحول القدر والحياة والموت وما بعد الموت. وقد يمضي الإنسان حياته يفكر في هذه الأمور ليصل إلى إجابات يقينية محددة .. لكن الواقع يقول بأنه يستحيل إيجاد إجابات يقينية توضّح كل ما ورد آنفا. الإنسان ذو العقل المحدود لازال لم يكشف جميع خبايا الكون الذي يعيش فيه، فكيف إذن بما وراء تلك الخبايا والغيبيّات الأخرى؟
رؤية فلسفية للعالم
قبل استكمال القراءة، أنوّه أن المقالة تحتاج لتصفية الذهن والتركيز العالي. الفيديو المرفق في آخر المقالة يوضّح ما سأعرضه هنا، وقد استندت إليه في صياغة أفكاري.
يتفق العلماء أن ما نراه في العالم الخارجي من أشياء هو نتاج إنعكاس الضوء إلى شبكة العين. وقد نتج عن هذا الإكتشاف تساؤل مهم: ما الذي يؤكد مادّية العالم الخارجي من حولنا؟ حسنا هذا السؤال لا يمكن الإجابة عليه بهذه البساطة إلا إذا فهمنا آلية عمل العقل.
بداية لابد من تحديد وسائل الإتصال التي تربطنا بالعالم الخارجي لكي نعي حقيقة هذا العالم. فوسائل الإتصال هي: السمع و البصر و اللمس و الشم و النطق (الحواس الخمس). العقل هو الذي يدير تلك الحواس، عن طريق شكبة معقدة جدا من الأعصاب، تربط بين الحواس و العقل.
بناءا على ذلك، يجرّنا الحديث إلى تساؤل جديد: ما الذي يؤكد أن ما تنقله لنا الحواس حقيقيا؟ فإذا رأى أحدنا العصفور، و جئنا لندقق في حقيقة ما رآه سنكتشف أن العصفور ليس إلا صورة في دماغنا نتجت عن إنعكاس الضوء من العصفور إلى العين. التساؤل هو: هل العصفور فعلا موجود ونحن رأيناه؟ وإذا لم يكن موجودا فما هو مصدر صورة العصفور التي تولّدت في الدماغ؟
هذا بالنسبة للرؤية. و قد تصادف أن تلمس عصفورا بيدك و تسمع صوته و -فرضا- تشم رائحته .. كل تلك الأحاسيس ناتجة عن رسائل مرسلة إلى الدماغ، تماما مثلما حدث عند رؤية العصفور.
إذن كل شيء ناتج عن إشارات عصبية مرسلة إلى الدماغ، سواء ما نسمع أو نرى أو نلمس أو نشم.
من هنا، فإنه ليس هناك ما يؤكد أن العالم الخارجي حقيقي أو موجود حقا على شكل مادة. وأن رؤيتنا للأشياء ومشاعرنا هي مجرد أفكار ناتجة عن إشارات يحلّلها الدماغ. نحن نرى أشخاص في منامنا رغم أنهم ليسوا موجودين ماديا. ما أحاول قوله أن الواقع يشبه المنام، وكلاهما ناتجان عن أفكار تسري في أدمغتنا.
ولكي تتوضح الفكرة أكثر، يمكن إجراء التجربة التالية: لنتخيّل أنه تم فصل الدماغ عن الجسم، و هُيئت له ظروف العيش، واستطعنا أن نبعث إليه -عن طريق الحاسوب- إشارات عصبية شبيهة بالتي ترسلها إليه حواسنا. سيبدأ الدماغ بتحليل تلك الإشارات تماما كأنه لازال موجودا داخل الجسم .. و يمكن تشبيه العملية بالتلفاز (الدماغ) الذي يستقبل عن طريق الصحن اللاقط (الحاسوب) إشارات تجعله يبث الصوت والصورة.
أخيرا بعد سلسة التساؤلات وتكرار الحديث عن الرسائل العصبية وعما إذا كان العالم من حولنا موجود فعلا أم أن كل شيء عبارة عن أفكار داخل رأسنا، نصل للسؤال المحوري: لنفرض أن الحياة هي أفكار داخل الدماغ، ما مصدر تلك الأفكار؟ من يرسلها؟
مصدر الإشارات العصبية
يمكن أن يُعد العقل \ الدماغ مظهرا من مظاهر الروح، و أنه يستمد الإشارات العصبية من الله مباشرة، و أن ليس هناك شيىء إسمه مادة – كما يدّعي دعاة الفلسفة المادية (materialism) .. وأن العالم الخارجي ليس إلا عالم نشعر به في داخلنا. و يستند البعض في ما طرحته آنفا إلى قوله تعالى: و لقد خلقنا الإنسان و نعلم ما توسوس به نفسه و نحن أقرب إليه من حبل الوريد (ق 16) و إلى آيات عديدة أخرى تلوّح للمعنى نفسه.
ويمكن النظر إلى الجنة و النار من هذا المدلول. بمعنى أن الجنة كالحياة الدنيا هي أفكار داخل الدماغ تولّد السعادة المطلقة، وكذلك النار هي أفكار داخل الدماغ تولّد عذابا أبديا.
http://www.youtube.com/watch?v=95xm_yoll38
يمكن أيضا تحميل الفيديو من الرابط التالي: